الدقة في تدوين الطعام، هل هو أمر مهم للمحافظة على خسارة الوزن؟

يحرص البعض على بلوغ أعلى قدر من الدقة في تدوين الكميات المتناولة من الطعام، وقد يصل الأمر إلى حد الهوس بالحسابات، والتوزين، وغيرها، ظنًّا منهم أنها الطريقة الوحيدة الفعالة لخسارة الوزن والمحافظة عليه. إذًا مع هذه الفرضية فإن الأشخاص (وعددهم ليس بقليل) الذين لا يستطيعون تقدير كميات طعامهم بدقة، أو الذين يقومون بالتدوين بشكل غير دقيق للكميات المتناولة، سواء عن طريق تعمّد إخفاء بعض أنواع الأطعمة التي يتناولونها، أو يبالغون في الكميات المتناولة على الرغم من قلتها، فإن خسارة الوزن أو حتى زيادته أمر صعب التحقيق بالنسبة إليهم، أليس كذلك؟ 

في هذا المقال سنطرح هذه الفرضية ونناقش مدى دقتها. 

في فت زاد، دائمًا ما نتحدث عن أهمية توازن الطاقة، فلخسارة الوزن، لا بد من وجود عجز في السعرات الحرارية المتناولة، والعكس صحيح لمن يسعى لزيادة وزنه. ولا شك أن واحدة من أهم وأفضل الطرق للتأكد من كمية السعرات الحرارية المتناولة هي تدوين الطعام، بالطريقة المناسبة للشخص، والتي عادة ما تكون باستخدام تطبيق معين يساعد في معرفة الحقائق التغذوية للطعام. 

وهنا موضع النقاش الأساسي… تدوين الطعام المتناول، حيث نواجه كأخصائيين تغذية مشكلة في تحديد دقة كميات الطعام المُبلّغ عنها من قبل المشتركين معنا، وبشكل خاص الأفراد الذين يعانون من السمنة، ولكن هل هذه الخطوة هي المفتاح الأساسي لخسارة الوزن؟ وهل يوجد فرق في تدوين الطعام إذا كان الشخص لا يعاني من زيادة الوزن أصلاً؟ هل يوجد حل واحد للسمنة؟ الجواب لا، فمشكلة السمنة متعددة العوامل، ومن غير المنطقي أن يكون هناك حل واحد لما تسبب به عدة عوامل.  

-ماذا تقول الدراسات؟ 

تم إجراء دراسة تحليلية ثانوية في شهر مارس2021، على أفراد شاركوا بدراسة مراقبة حالة(Case-controlled study) سابقة أُجريت في جامعة كولورادو أنشوتز بين أكتوبر 2009 وأغسطس 2012، شريطة أن يكونوا ضمن معايير الاختيار، وكان الهدف الأساسي من الدراسة تقييم مدى دقة تدوين السعرات الحرارية في الحفاظ على خسارة الوزن لأشخاص نجحوا سابقًا بخسارة الوزن والمحافظة على الوزن المفقود لمدة سنة على الأقل، بحيث تمت مقارنتهم بالأفراد الذين لا يعانون من زيادة الوزن، وبمجموعة أشخاص يعانون من السمنة، وقد كانت لديهم محاولات ناجحة بخسارة الوزن سابقاً، لكن دون القدرة على المحافظة عليه. بالإضافة إلى تقييم عدة أسباب ثانوية قد تؤثر على دقة تدوين الطعام مثل: النشاط البدني، ونمط الحياة. 

-معايير اختيار المشتركين:  

بدأت الدراسة ب 106شخص بعد استبعاد عدد من الأشخاص الذين يواجهون مشكلة جسدية تحد من النشاط البدني، أو المصابون بأمراض مثل: السكري، أو أمراض القلب، أو اضطرابات عضلية، أو نفسية، أو هيكلية، أو خضعوا لتدخلات جراحية لخسارة الوزن، أو تناولوا أدوية تؤثر على الشهية، أو اتبعوا أنظمة غذائية قاسية، أو المدخنين، والنساء المرضعات، أو الحوامل. بعد ذلك تم استبعاد 12 مشترك بسبب عدم توافق بيانات إجمالي السعرات الحرارية باليوم مع معايير معينة، كما تم استبعاد 3 آخرون فيما بعد لأن وزن الجسم المبلغ عنه غير صحيح، لينتهي الأمر ب87 مشترك في الدراسة. 

كان المشتركين من كلا الجنسيين نساء ورجال، تتراوح أعمارهم بين (32-57) عام، وكان متوسط مؤشر كتلة الجسم للمجموعات: الأفراد الذين خسروا وزن ونجحوا في المحافظة عليه (24.1-+2.3كغ/متر2)، ، الأشخاص الذين لا يعانون من زيادة الوزن (22.7-+1.9كغ/متر2)، والأفراد الذين يعانون من السمنة (30+-4.6كغ/متر2) على أن يكون هذا الرقم مشابه لمؤشر كتلة الجسم قبل فقدان الوزن وعدم المحافظة عليه، وهو الذي تم اعتماده في تقسيم الأفراد إلى المجموعات الثلاث. 

-التدخل التغذوي المستخدم: 

تم تقسيم المشتركين إلى 3 مجموعات حسب معايير الاختيار، واستمرت الدراسة لمدة أسبوع، تم أخذ قياسات الوزن، والطول، في اليوم الأول والثامن، وحساب احتياجات الجسم من السعرات الحرارية لمدة 7أيام باستخدام طريقة  (Doubly labeled water) ، ومقارنتها مع الكمية المتناولة الفعلية المتناولة من السعرات الحرارية، والتي تم تدوينها بشكل ذاتي من كل مشترك (يومان من أيام الأسبوع، ويوم من نهاية الأسبوع). بالإضافة إلى إجراء قياسات لمعرفة النشاط البدني. 

-النتائج: 

على الرغم من أن دقة تدوين السعرات الحرارية المتناولة في المجموعة الأولى والثانية كانت أقل من المجموعة الثالثة، ولكن رقميًا وإحصائيًا لم يكن هذا الفرق مهمًا، وهذا يبين أن التدوين الدقيق عن السعرات الحرارية ليس المفتاح الوحيد لعلاج السمنة، وإلا كنا لاحظنا أن الأفراد الذين خسروا الوزن وحافظوا على الوزن المفقود أكثر دقة من المجموعات الأخرى، ولكن هذا لم يحدث. بينما لوحظ أن المجموعة الأولى (الأفراد الذين حافظوا على خسارة الوزن) كانوا منخرطين بممارسة النشاط البدني بشكل كبير، مما يشير إلى أنها استراتيجية معقولة للمحافظة على خسارة الوزن. 

كما وجد أن بعض الأشخاص يتجاهلون تدوين بعض أصناف الطعام الغنية بالنشويات أو الدهون، مع أنهم يدونون الأطعمة الغنية بالبروتين، بسبب وجود معتقدات تتعلق بأن هناك طعام “صحي” وطعام “مضر”. 

 
الخُلاصة؛ تتبع السعرات الحرارية وتدوين الطعام أداة تعليمية جيدة، ومرحلة لا بد من من المرور بها لمن يريد خسارة الوزن، لأنها تزيد من وعي الشخص تجاه نظامه الغذائي، وكمية العناصر الغذائية المختلفة بالأطعمة التي يتناولها، لكنها أيضاً ليست الحل السحري ولا المُخلص الوحيد من السمنة وزيادة الوزن، وقد لا تكون مفتاح المحافظة على خسارة الوزن على المدى البعيد، لذا يجب أن يرافقها تغيير في العادات والسلوكيات، إلى أن يجد الشخص مجموعة من الأمور التي تساعده على تشكيل نظام غذائي متوازن ومستدام، دون الاضطرار لتتبع السعرات الحرارية وتدوين الطعام بشكل دائم، والذي قد ينتهي بمشاكل أخرى مثل اضطرابات متعلقة بالأكل.  

لذّلك ننصح دائمًا لخسارة الوزن بشكل صحي يجب عليك اتباع نظام غذائي متوازن ومتنوع من جميع المجموعات الغذائية، يغطي حاجتك من الطاقة، وتناول كميات كافية من البروتين، والحصول على 8 ساعات من النوم على الأقل، وشرب كميات كافية من الماء، وجعل ممارسة التمارين الرياضية جزء أساسي من نظامك اليومي. 

Leave a Comment