نظام الصيام المتقطع
فكرة الصيام هي فكرة موجودة منذ الأزل، مارسها الإنسان بشتى الطرق خلال مراحل تطوره فقد كان هناك الكثير من الأوقات التي لا يتوفر فيها الطعام. بخلاف كيفية هذا الصيام لكنه أيضاً موجود في مختلف الأديان إما عن طريق الامتناع عن الأكل لفترات معينة من اليوم أو عن طريق إقصاء أنواع معينة من الطعام. مع مطلع عام 2012، ظهر الصيام كطريقة لخسارة الوزن وذلك من خلال بعض الكتب والوثائقيات التي تحدثت عن “الصيام المتقطع”.
في عام 2016 ازدادت شعبيته بشكل كبير بعد أن تحدث عنه د. جيسون فونغ (Dr. Jason Fung) بكتابه الأكثر مبيعاً (The Obesity Code). وها نحن اليوم في عام 2020، والكثير الكثير من الأشخاص يلجؤون للصيام المتقطع لخسارة الوزن، فما هو السر وراء هذا النمط الغذائي؟
الصيام المتقطع Intermittent Fasting
حتى نستطيع الدخول لعالم الصيام المتقطع يجدر بنا أولاً أن نعرّفه بشكل عام:
الصيام المتقطع (Intermittent Fasting) هو الامتناع عن الأكل لفترات معينة والأكل في فترات أخرى، ومن الممكن أن تكون الفترات هذه عبارة عن ساعات أو أن تمتد ليوم كامل أو حتى أيام من الانقطاع عن الأكل ومن ثم العودة للنمط الغذائي المعتاد في اليوم التالي.
بعض طرق الصيام المتقطع:
1) طريقة الصيام المقيد بوقت أو 16:8
تعد هذه الطريقة من أكثر الطرق شيوعاً، وتعتمد على أن يصوم الشخص لمدة 16 ساعة من ضمنها ساعات النوم عادة، فكل ما عليك هو أن تتجنب تناول الأطعمة بعد ساعة معينة ليلاً، وتمتنع عن وجبة الفطور صباحاً، وما يتبقى من اليوم هو 8 ساعات خلال يومك تستطيع تناول الطعام فيها كما المعتاد، مثلاً تتناول الأكل ما بين الساعة 12 ظهراً الى الساعة 8 مساءاً وتصوم ما تبقى من ساعات اليوم الى اليوم التالي. يسمح لك في فترة الصيام تناول السوائل التي لا تحتوي سعرات حرارية مثل: الماء، الشاي، والقهوة بدون إضافة السكر. الكثير من الناس يفضلون هذه الطريقة ويجدونها سهلة الاتباع بالمقارنة مع الأنظمة الأخرى الاعتيادية.
2) طريقة الصيام 5:2
هذه الطريقة من الطرق التي لاقت الكثير من الاستحسان لدى الأشخاص، وتعتمد على أن تختار يومين غير متتاليين، تقلل فيهما من السعرات الحرارية المتناولة لتصل إلى 500-600 سعرة حرارية فقط، وفي باقي الأسبوع (5 أيام) تبقى على نمطك الغذائي المعتاد.
3) طريقة الصيام والأكل بالتناوب
في هذه الطريقة ما يحدث ببساطة هو أنك تصوم لمدة 24 ساعة ومن ثم تتناول الطعام لمدة 24 ساعة أخرى، وغالباً ما يتكرر هذا الأمر مرة إلى مرتين أسبوعياً.
الصيام المتقطع وخسارة الوزن
تعددت الأساليب والهدف واحد.. خسارة الوزن! فهل للصيام المتقطع تأثير مختلف عن باقي الأنظمة الغذائية على خسارة الوزن؟
حتى الآن أغلب الدراسات التي قيّمت الصيام المتقطع كانت قصيرة نسبياً، وضمت أعداد قليلة من المشتركين. في إحدى الدراسات التي نشرت في عام 2017 من JAMA للطب الباطني تم إحضار 100 شخص ممن لديهم زيادة في الوزن (Overweight) وقسموهم لثلاثة مجموعات وكل مجموعة طلب منها الامتثال لنمط غذائي معين: المجموعة الأولى اتبعت نظام غذائي يحتوي سعرات حرارية أقل من السعرات المتناولة عادة (الطريقة التقليدية لخسارة الوزن)، والمجموعة الثانية طلب منها اتباع طريقة الصيام والأكل بالتناوب فيصوموا ليوم كامل ومن ثم يأكلون وهكذا، أما المجموعة الأخيرة فقد طلب منهم الاستمرار بعاداتهم الغذائية الطبيعية، واستمرت هذه الدراسة على مدى 12 شهر، وكانت النتيجة أن المجموعتان الأولتان خسرتا من وزنهم بغض النظر عن الأسلوب (طريقة تقليدية أم صيام متقطع) وكان السبب هو أن السعرات الحرارية المتناولة قلت.
من ناحية أخرى بعض الأبحاث والدراسات أقيمت لدراسة نظرية صيام الساعة البيولوجية (Circadian Rhythm Fasting) تدّعي بأنه ليس كل طرق الصيام المتقطع واحدة وتأتي بنفس النتيجة والفوائد، ولكن طريقة الصيام المتقطع 16:8 تتغلب على الطرق التقليدية اذا جعلنا نافذة الأكل مفتوحة في ساعات النهار بعيداً عن ساعات النوم ليلاً لأن هذا يتناغم مع ساعة الإنسان البيولوجية. ولدراسة هذه النظرية، قام باحثون في جامعة ألباما (University of Alabama) بإحضار مجموعة من الرجال الذين يعانون من السمنة وما قبل السكري (Pre-diabetes) ووضعهم ضمن مجموعتين الأولى سيتبعوا طريقة الصيام المتقطع 16:8 ولكن بتحديد نافذة الأكل خلال 8 ساعات باكرة من اليوم من الساعة 7 صباحاً إلى الساعة الثالثة مساءاً، والمجموعة الثانية سمحوا لهم بتناول الطعام من الساعة 7 صباحاً إلى الساعة 7 مساءاً أي خلال فترة 12 ساعة. بعد 5 أسابيع، لم يحدث أي تغيير على الوزن لدى أي من المجوعتين ولكن ..
المجموعة التي أكلت خلال 8 ساعات باكرة في اليوم حصلت على نتائج أفضل فيما يتعلق بالمؤشرات الصحية الأخرى، فمثلاً حساسية الانسولين تحسنت بشكل ملحوظ وبالتالي مستوى هرمون الانسولين قل في الجسم، كما تحسنت قراءات ضغط الدم. وآخر مفاجأة كانت هي أنهم لم يشعروا بالجوع الشديد وقلت شهيتهم!
لن يسعنا ذكر الكثير من الدراسات في مقال واحد ولكن من المؤكد أنكم تريدون معرفة التوصيات حول اتباع الصيام المتقطع لخسارة الوزن. حسب ما توصل إليه بعض الخبراء من جامعة هارفرد (Harvard Medical School) كانت التوصية الأفضل كالآتي: لأي شخص يريد تجربة الصيام المتقطع لخسارة الوزن الزائد فإن أفضل ما يمكن القيام به هو ما أسميناه ب”صيام الساعة البيولوجية” ولكن عند دمجه بنظام غذائي وأسلوب حياة صحي، وهو ما يعيدنا دائماً وأبداً للقواعد الذهبية التي تتوافر في أغلب الأنظمة الغذائية الناجحة وهي:
- الابتعاد عن السكر المضاف والحبوب المكررة مثل الخبز الأبيض قدر المستطاع
- زيادة الكميات المتناولة من الخضروات، الفواكه، البقوليات والحبوب الكاملة مثل خبز القمح، والبرغل
- الابتعاد عن أكل وجبات خفيفة كثيرة واستبدالها بوجبات رئيسية مشبعة، فغالباً نتناول الوجبات الخفيفة بدون وعي وبدون الانتباه للكميات
- ممارسة النشاط البدني وجعله جزء من نظام حياتك
فوائد الصيام المتقطع الصحية
- يقلل من مقاومة الانسولين وبالتالي يساهم الصيام في الوقاية من السكري من النوع الثاني
- يقلل من الالتهابات التي تحدث في الجسم والتي من الممكن أن ينتج عنها الكثير من الأمراض المزمنة
- من الممكن أن يساعد في حماية القلب عن طريق تخفيض نسبة الكوليسترول والدهون الثلاثية في الدم
- بعض الدراسات التي أجريت على الفئران بين أن الصيام يساعد على الوقاية من السرطان
- يعزز العمليات الخلوية بحيث تصبح الخلايا قادرة على القيام بعمليات التخلص من الخلايا المختلة وظيفياً بدل من التراكم في الجسم
سلبيات الصيام المتقطع (الآثار الجانبية)
من الآثار الجانبية الشائعة للصيام المتقطع عند بعض الأشخاص الشعور بالجوع وازدياد الرغبة والشهية للأكل في الفترات المسموح فيها تناول الطعام وذلك بسبب شعور الجسم بالحرمان لفترة طويلة، لهذا ينصح دائماً باختيار الطرق الأسهل في الصيام بالنسبة للشخص. وهناك احتمال حدوث نقص في المغذيات الدقيقة مثل بعض الفيتامينات والمعادن، إذا لم يؤخذ بعين الاعتبار جودة الطعام المتناول.
من يجب أن يحذر من الصيام المتقطع؟ ومن يجب الابتعاد عنه نهائياً؟
هناك بعض الأدلة على أن الصيام المتقطع يمكن أن لا يكون بنفس الفائدة للنساء كما هو مفيد للرجال، ولكن أغلب هذه الأدلة نابعة من دراسات أجريت على الفئران وليس على البشر. لهذا لا نستطيع قول معلومة واضحة ولكن من الأفضل للمرأة التوقف عن الصيام إذا اختبرت أي من الأعراض مثل انقطاع الطمث.
بالنسبة لبعض الفئات، فإن الابتعاد عن الصيام المتقطع هو أمر لا بد منه، لأنه يؤثر سلباً عليهم. فيما يلي الأشخاص الذين يجب أن يمتنعوا عن الصيام المتقطع:
- مرضى السكري
- المرأة الحامل أو المرضع
- الأشخاص الذين يعانون من اضطرابات الطعام أو نمط أكل مضطرب
- أي شخص يعاني من مشكلة صحية ويتناول عدة أدوية مثل أدوية الضغط والقلب، يجب عليه مناقشة الموضوع مع طبيبه
ما يمكن قوله أخيراً هو أن الصيام المتقطع يحتاج للكثير من الدراسات الإضافية التي تشمل عدد أكبر من الناس بحيث تطبق على فترات طويلة لدراسة تأثيراته على المدى البعيد، ومن ثم يمكن أن ينصح به كعلاج للسمنة أو حتى مشاكل صحية أخرى، ولكن لا مانع من التجربة طالما لم يكن لدى الشخص إحدى المحاذير التي ذكرت سابقاً.