مؤشر كتلة الجسم أم محيط الخصر

ما هو المقياس الأدق للسمنة والصحة؟

غالباً ما تدرس الأبحاث علاقة مؤشر كتلة الجسم BMI (الوزن (كغ)\مربّع الطول (م2)) بخطر الإصابة بالسمنة والأمراض المزمنة، وغالباً ما تكون النتيجة أن هناك علاقة طردية بين ازدياد مؤشر كتلة الجسم وتدني مستوى الصحة. 

ولكن إذا نظرنا بعمق أكبر للموضوع نجد أن العلاقة بينهما لا تعتمد على السببية، أي أن مؤشر كتلة الجسم ليس سبب مباشر ومؤكد لسوء الصحة، وأكبر مثال على ذلك الأشخاص الرياضيين الذين يمتلكون كتلة عضلية كبيرة، بحيث أن مؤشر كتلة الجسم لديهم مرتفع بسبب نسبة العضلات الزائدة في الجسم. ماذا لو كان تركيزنا على مؤشر كتلة الجسم يجعلنا نهمل مؤشرات أخرى أدق لوصف الصحة وعلاقة الوزن أو نسبة الدهون بالأمراض المزمنة؟ ماذا عن قياس محيط الخصر الذي عادةً ما يعبر عن السمنة الوسطية في المنطقة العلوية من الجسم؟  

في هذا المقال سنطرح بعض النتائج التي وصلت لها الأبحاث عند دراسة المؤشرين وعلاقتهما بالأمراض المزمنة. 

في بحث لمبادرة صحة المرأة (Women’s Health Initiative -WHI ) تم نشره سنة 2019 في شبكة JAMA الطبية، وُجِد أن النساء اللواتي مؤشر كتلة الجسم لديهن ضمن المعدل الطبيعي (ما بين 18.5- 24.9) ولكن محيط الخصر أكبر من 88 سم، تزداد احتمالية إصابتهن بجميع مسببات الوفاة من الأمراض المزمنة، كما وُجِد أن خطورة إصابتهن بهذه الأمراض مساوي للمجموعة التي تعاني من السمنة (مؤشر كتلة جسم مرتفع) ولديها محيط خصر عالي، ماذا عن النساء اللاتي لديهن زيادة في الوزن أو حتى سمنة ولكن محيط خصر أصغر من 88 سم؟ لقد كان احتمال الخطورة لهذه الفئة مساوي للنساء ذوات الوزن الطبيعي ومحيط الخصر القليل وفي بعض الحالات كانت الخطورة أقل بقليل أيضا! 

هذه النتائج ترجح أن النساء ذوات مؤشر كتلة جسم منخفض ومحيط خصر كبير (أي وزن طبيعي وسمنة وسطية في منطقة الخصر والبطن) طبيعة عمليات الأيض في أجسامهن تشبه تماماً طبيعة أجسام النساء السمينات (وزن زائد ومحيط خصر كبير).  

الجدير بالذكر، أن هذه الدراسات التي تعتمد على المشاهدة وجدت أن النساء ذوات محيط خصر كبير يمتلكن عادات أخرى تخفض من مستوى الصحة وتعد من عوامل الخطورة للإصابة بالأمراض المزمنة؛ مثل: التدخين، قلة النشاط البدني، والدخل المادي المحدود. كما أن هذه الدراسة أيضاً كانت تعتمد على المشاهدة، أي أنه من الصعب أن نستخلص منها علاقة سببية (causation) بين محيط الخصر والحالة الصحية، ولكن يمكن القول أنها تفتح الأبواب لدراسات وأبحاث أخرى في الموضوع. 

ما هي المشكلة في محيط الخصر والسمنة الوسطية؟ ولماذا تجعل الشخص أكثر عرضة لما يسمى بالمتلازمة الأيضية (Metabolic Syndrome) ومختلف الأمراض المزمنة؟ 

تنقسم الدهون في منطقة البطن لعدة أنواع من ضمنها: الدهون السطحية تحت الجلد (Superficial Subcutaneous Abdominal Fat) ، والدهون الحشوية التي تحيط بالأعضاء (Visceral Fat)، والأخيرة هي التي تعد أكثر خطورة وتزيد من خطر الإصابة بأمراض القلب والسكري من النوع الثاني.  

في المعدل، تشكل الدهون الحشوية ما نسبته (10-20%) من نسبة الدهون الكلية لدى الرجل، و (5-8%) في المرأة وتزداد هذه النسبة مع التقدم في العمر لدى كلاهما. فبغض النظر عن مؤشر كتلة الجسم، أكدت عدة أبحاث على أن الدهون الحشوية بشكل مستقل مرتبطة بمشاكل السكر في الدم (عدم تحمل الجلوكوز)، ارتفاع الدهون الثلاثية، ونسبة الكولسيترول الضار (LDL)، بالإضافة لانخفاض نسبة (HDL) المعروف ب”الكوليسترول الجيد”. 

على الرغم من أن هناك عوامل لا يمكن التحكم بها تؤثر على تجمع الدهون في منطقة الوسط مثل: الجينات، ودرجة التوتر العصبي، إلا أن العوامل البيئية مثل: الوزن، نوعية الغذاء وكميته، ومستوى النشاط البدني هي عوامل قابلة للتغيير ولها دور كبير في التحسين من الحالة الصحية لأي شخص مهما كان التركيب الجيني لديه.  

لهذا، فإن خسارة نسبة من الوزن له أثر إيجابي على خسارة الدهون الحشوية المتراكمة حول الأعضاء، كما أن نوعية النظام الغذائي المتبع له أثر أيضاً، فبعض الأبحاث شجعت على حمية البحر الأبيض المتوسط للتقليل من نسبة الدهون الحشوية خاصة إذا اقترنت بنشاط بدني عالي.  

ومع كل هذه الأبحاث منذ سنوات عديدة وإلى يومنا هذا لا يوجد توصيات نستطيع أن ننصح بتطبيقها بصريح العبارة، فالموضوع أعقد بكثير من قياس بضعة سنتيمترات حول الخصر، ولكن دائماً ما ننصح به هو اتباع القواعد الأساسية للحياة الصحية المتفق عليها من أغلب الخبراء والباحثين. 

Leave a Comment