هل تعد الجينات سبب كافي للإصابة بالسمنة؟
عند رؤية طفل يعاني من السمنة تكون الجينات الموروثة من الأهل هي المسبب الأول بنظرنا، وعند مصادفة أشخاص اتبعوا العديد من الأنظمة الغذائية ولم ينجحوا في خسارة الوزن تكون الجينات هي السبب أيضًا، أصبحت هذه الحُجة هي الأسهل والأسرع لنعلق عليها المحاولات الغير موفقة في خسارة الوزن.
في حين أننا لا نستطيع تغيير الجينات لدينا، هل تغيير عاداتنا وسلوكاتنا الغذائية يمكن أن يؤثر على القابلية الوراثية للسمنة؟
أظهرت العديد من الجينات دور كبير في تحديد مؤشر كتلة الجسم (BMI)، بحيث تتراوح نسبتها بين 47% – 90%، في حين لم يتم دراسة وأثبات الآلية المسؤولة عن القابلية الوراثية المسببة للسمنة.
-ماذا تقول الدراسات؟
أظهرت بعض الدراسات وجود جينات موروثة مشتركة تؤثر على الشهية والوزن في الطفولة، وجينات أخرى مرتبطة بمؤشر كتلة الجسم بحيث تتفاعل مع أجزاء معينة بالدماغ وبدورها تنظم استهلاك الغذاء عن طريق تنظيم إشارات الجوع والشبع. لذّلك تم أجراء دراستين منفصلتين إحداهما في فنلندا والأخرى في فرنسا، وكانا مختلفتين من ناحية العينة المستهدفة وحجمها حيث ضمت الأولى 1869 امرأة و1646 رجل، والأخرى ضمت 1200 امرأة و954 رجل، لمعرفة إذا ما كانت العادات الغذائية ممكن أن تؤثر على القابلية الوراثية للسمنة.
-معايير اختيار المشتركين:
*الدراسة الأولى(فنلندا): تم اختيار المشتركين من كلا الجنسيين، تترواح أعمارهم بين( 35-64)عام. تم استبعاد الأفراد المصابون بالسكري، والذين يواجهون صعوبة بالمشي دون مساعدة، المصابين بمرض عضال، والحامل والمرضع عند النساء.
*الدراسة الثانية(فرنسا): تم اختيار المشتركين من كلا الجنسيين، تتراوح أعمارهم بين(18-58) عام، كان يشترط الحمل عند النساء المشاركات، نظرًا لهدف الدراسة في تقييم محددات ما قبل/ وما بعد الولادة لنمو الطفل. في المقابل معايير استبعاد النساء كانت: الحمل المتعدد، الإصابة بالسكري، الأمية، التخطيط للانتقال من المنطقة خلال الثلاث سنوات القادمة.
-التدخل التغذوي المستخدم:
تم قياس السلوكيات/ العادات الغذائية التي تعتبر موروثة جزئيًا، وتتطور في مراحل النمو المبكرة إلى أن تصبح مستقرة مع مرور الوقت، باستخدام استبيان (Three-Factor Eating Questionnaire (TFEQ))، وبدوره يقيس:
1- ضبط النفس المعرفي (cognitive restraint): ويتحدد بالرغبة في تناول الطعام لغاية الحفاظ على الشكل أو الوزن.
2- عدم التوقف عن الأكل (uncontrolled eating): وهو الميل لتناول الكثير من الطعام المرتبط بفقدان السيطرة.
3- الأكل المرتبط بالعاطفة (emotional eating): وهو الرغبة في تناول الكثير استجابة للعواطف والمزاجية.
-النتائج:
أظهر الاستبيان الذي تم استخدامه أن القابلية الوراثية للإصابة بالسمنة مرتبطة جزئيًا بالسلوكيات الغذائية المرتبطة بالشهية وتضم (عدم التوقف عن الأكل، وتناول الطعام المرتبط بالعاطفة) بشكل أساسي، والتي من الممكن الحد منها عن طريق ضبط النفس المعرفي، بينما كانت النتائج عن التأثير المباشر لضبط النفس المعرفي ضعيفة ولم يتم إثباتها بشكل كافي، مما يعني أننا بحاجة إلى المزيد من الدراسات لدعم ضبط النفس المعرفي في مساعدة الأفراد المعرضيين وراثيًا لزيادة الوزن.
نستنتج من هذه النتائج أنه لا يجب الاستسلام لحُجة أن الجينات لها الدور الأكبر في اكتساب الوزن، وأن خسارة الوزن ليست تلك المهمة الصعبة التي تكاد تكون مستحيلة، وأن نتذكر دائمًا الدور الكبير الذي يقع على عاتقنا وهو منع سيطرة المشاعر علينا وعلى سلوكاتنا الغذائية، وإيجاد طرق أخرى للتعامل معها غير استهلاك كميات كبيرة من الطعام، وسؤال أنفسنا دائمًا ” لماذا أريد أن اتناول الطعام؟” هل بسبب جوع حقيقي، أو الشعور بالملل، أو الشعور بالغضب، أو غيره، عندها ستكون قادر على تحديد سبب تناولك للطعام.