كم هو الحد الأعلى للبروتين في الوجبة الواحدة؟
كثيراً ما تنتشر بين الرياضيين والأشخاص المهتمين بالبناء العضلي فكرة الحد الأقصى للبروتين في الوجبة؛ بحيث أن البعض يظن أن هناك حد أقصى يمكن للجسم امتصاصه في وجبة واحدة، وبأن احتياجات البروتين اليومية يجب أن توزع على عدة وجبات حتى يمتص الجسم أكبر قدر من البروتين لتحسين البناء العضلي. كما وأن البعض حدد هذا الحد الأقصى للبروتين في الوجبة بمقدار 30 غ على الأكثر! وذلك بناءاً على بعض الدراسات التي أجريت ضمن هذا الإطار.
كي ندخل في الموضوع بشكل أعمق دعنا نبني الأسس معاً في البداية، ودعنا نتفق على أنه إذا كنت شخص معافى، لا تعاني من أي مشاكل مزمنة في الجهاز الهضمي -تؤدي لسوء الامتصاص-، فإن جهازك الهضمي يمتص كل البروتين والعناصرالأخرى التي تتناولها بكفاءة عالية، وعلى أنه لا يوجد حد أقصى للامتصاص. ففي حال تناولت 10 غ أو 100 غ بروتين، أو حتى أكثر، في وجبة واحدة فإن البروتين المتناول مهما كانت كميته سيتم امتصاصه من قبل الجهاز الهضمي. فالجسم يحتاج للبروتين لأداء الكثير من الوظائف المهمة لبقائنا على قيد الحياة. 50% تقريباً من الأحماض الأمينية المتناولة (مكونات البروتين الدقيقة) تذهب للأمعاء الدقيقة، وباقي الأحماض الأمينية تتوزع على مختلف أجهزة الجسم وأعضاؤه لتساهم في وظائف فسيولوجية متعددة. بالإضافة إلى ذلك، فإن جزء من الأحماض الأمينية يذهب للبناء العضلي في حال كانت كمية البروتين المتناولة كافية.
والآن بعد أن اتفقنا على أن الجسم قادر على امتصاص البروتين بكفاءة ولا يوجد هناك حد أقصى، لعل السؤال الصحيح لمعرفة علاقة مقدار البروتين في الوجبة بالبناء العضلي هو:
كم من البروتين الذي يتم امتصاصه يذهب للبناء العضلي؟ وهل هناك حد أدنى من الأحماض الأمينية يلزم لتحفيز البناء العضلي (Muscle Protein Synthesis)؟ هذا ما سنتطرق له في هذا المقال.
في دراسة تدعم نظرية أن تحفيز البناء العضلي يتم بتناول ~ 30 غ من البروتين، قام الباحثون بإعطاء المشاركين 80 غ بروتين موزعة بطرق مختلفة على مدى 12 ساعة بعد أدائهم لبروتوكول معين من التمارين (عدة جولات من تمرين تمديد الساق بتكرار متوسط / Multi-set, Moderate Repetition Leg extension exercise protocol)، بعد تقسيم المشاركين لثلاث مجموعات تم إعطاؤهم البروتين بالشكل الآتي:
- المجموعة الأولى: تم توزيع البروتين على 8 حصص وبالتالي كان يتناول المشاركين في هذه المجموعة 10 غ بروتين للحصة الواحدة كل ساعة ونصف
- المجموعة الثانية: وُزّع البروتين على 4 حصص، 20 غ للحصة الواحدة، كل 3 ساعات
- المجموعة الثالثة: وُزّع البروتين على حصتين، 40 غ للحصة الواحدة، كل 6 ساعات
بينت النتائج أن البناء العضلي كان الأفضل عند المجموعة الثانية التي تناولت 20 غ بروتين كل 3 ساعات، في ظل الظروف المهيئة في هذه الدراسة.
وكانت هذه إحدى الدراسات التي لاقت صداً واسعاً، حتى أن الخبراء أصبحوا يستخدمونها لدعم نظرية تناول 30 غ كحد أقصى في الوجبة. ولكن هذه الدراسة، كأي دراسة أخرى، لها عدة محددات تجعل من الاعتماد عليها أمراً ليس دقيقاً. لعل أهمها هو أن الكمية المختارة من البروتين (80 غ على مدى 12 ساعة) بما يعادل أقل من 1 غ/ كغ من وزن الجسم؛ هي كمية غير كافية لتحقيق أقصى قدر ممكن من البناء العضلي للفئة المشاركة بالدراسة (الرياضيين الذين يمارسون تمارين المقاومة).
وفي دراسة سابقة أيضاً، تمت مقارنة أثر كمية البروتين المتناولة على تحفيز البناء العضلي بعد أداء 12 جولة من تمارين الأرجل، بحيث تم إعطاء المشاركين بروتين البيض بكميات مختلفة فوراً بعد أدائهم لجميع الجولات (المجموعة الأولى تناولت 20 غ والمجموعة الثانية تناولت 40 غ من البروتين)، وكانت النتيجة أن 40 غ من البروتين في الوجبة لم تحفز البناء العضلي بشكل أكبر من الوجبة التي تحتوي 20 غ بروتين، مما يعني أن 20 غ من البروتين كافي لتحفيز أكبر قدر من البناء العضلي. في هذه الدراسة كان هناك محددات تجعل نتائجها غير دقيقة ولا يمكن الاعتماد عليها في أخذ توصيات لتناول البروتين بكمية معينة، فقد وُجد لاحقاً أنه من الممكن أن يكون عدد الجولات التي قام بها المشاركون غير كافي لتفعيل البناء العضلي الناجم عن ممارسة الرياضة (Exercise-induced protein synthesis signaling)، كما أن المشاركين بالدراسة كانوا صائمين، عدا عن أنهم تناولوا البروتين بشكل منفصل؛ أي ليس من ضمن وجبة كما هو الحال في الحياة العملية. وتناول البروتين بشكل
معزول يختلف عن تناوله من ضمن وجبة تحتوي الدهون والكربوهيدرات، بحيث تساعد هذه العناصر الغذائية على تنظيم وصول الأحماض الأمينية للدم بشكل تدريجي بدلاً من أن تتعرض للتأكسد.
ولدراسة تأثير تناول البروتين ضمن وجبة متكاملة؛ قام الباحث كيم وزملاؤه في دراستهم التي نشرت في المجلة الأمريكية لعلم وظائف الأعضاء (American Journal of Physiology)، بإعطاء المشاركين وجبة تحتوي 40 غ بروتين، ومن ثم انتظار فترة أسبوع وإعطاء نفس الأشخاص وجبة تحتوي 70 غ بروتين. كانت النتائج أن الوجبة التي تحتوي كمية بروتين أعلى حفزت استجابة الجسم بشكل كامل على البناء (Whole body anabolic response/ positive net protein balance)، ومما تم استنتاجه من هذه الدراسة هو أن الارتفاع في توازن البروتين (Net protein balance) هو ليس فقط بسبب تحفيز البناء العضلي (Muscle Protein Synthesis)، بل بسبب التقليل من عملية تكسير/ تحلل البروتين في الجسم (Protein breakdown / proteolysis)، ويرجح الباحثون أن انخفاض الهدم في الجسم كان لسببين:
الأول هو أن ارتفاع نسبة الإنسولين في الجسم بعد تناول وجبة تحتوي البروتين والنشويات ساعد في التقليل من تحطيم البروتين، لأن الإنسولين ليس فقط هرمون بناء، إنما يعمل بطريقة مضادة للهدم (Anti-catabolic). بالإضافة لإفراز هرمون Cholecystokinin (CCK) بسبب وجود الدهون في الوجبة، والجدير بالذكر أن هذا الهرمون يساعد في إبطاء عملية إفراغ المعدة مما يعطي لجهازك الهضمي وقت أكبر يسمح له بامتصاص المغذيات بشكل أفضل.
أما السبب الثاني فيعود لتناول كمية بروتين أعلى في الوجبة الثانية، ومع وجود عناصر غذائية أخرى كان إطلاق الأحماض الأمينية من الأمعاء إلى الدم أبطأ وبالتالي لم تتعرض للتأكسد كما في الدراسات السابقة.
ومن المفارقات فيما يتعلق بتناول 20-30 غ بروتين فقط في كل وجبة؛ هو أن أغلب الأبحاث التي أجريت في نطاق الصيام المتقطع، لم تجد فروقات في الكتلة الخالية من الدهون (Fat Free Mass) بين لاعبي كمال الأجسام الذين يتبعون طريقة الصيام المتقطع وبالتالي يتناولون أغلب احتياجهم من البروتين في وجبة واحدة، ولاعبي كمال الأجسام الذين يتناولون البروتين بالشكل المعتاد (موزع على أكثر من وجبة خلال اليوم).
والآن في نهاية المقال إذا أردنا تلخيص كل ما سبق وإجابة السؤالين بشكل مختصر:
- هل هناك حد أعلى لامتصاص البروتين الموجود في الوجبة؟ الجواب هو لا! قدرة الجسم أو الجهاز الهضمي على امتصاص المغذيات غير محدودة.
- هل هناك حد معين من البروتين لتحفيز البناء العضلي؟ نعم، ولكنه أعلى بكثير من 20 أو 30 غ كما يعتقد البعض! بحيث يعتمد هذا الحد على الكثير من العوامل، أهمها الفروقات الفردية بين الأشخاص مثل كتلة الجسم.
- ما زلنا بحاجة أبحاث أخرى أكثر دقة ويتم إجراءها لفترات طويلة حتى نستطيع تحديد كمية البروتين في الوجبة الواحدة اللازمة لتحفيز عملية البناء العضلي.
- توزيع البروتين على عدة وجبات أفضل من تناوله في وجبة واحدة، ولكن الأولوية هي لأخذ مقدار كافي من البروتين بشكل يومي، حتى لو كان خيارك الوحيد هو تناوله في وجبة واحدة.
النصائح العملية التي يمكن استخراجها من هذه الأبحاث هو الحرص على تناول احتياجك الكلي من البروتين خلال اليوم بغض النظر عن الطريقة لأن هذا هو الأساس لتحفيز عملية البناء العضلي، وهذا لا يحدث إلا بالأخذ بعين الاعتبار الفروقات الفردية مثل: العمر، والوزن، والكتلة العضلية، وشدة التمارين، وحتى نمط حياتك، فمن الممكن أن تكون ممن ليس لديهم الوقت الكافي لتناول عدة وجبات وتفضل بأن تتناول وجبة أو وجبتين فيها أغلب احتياجك من البروتين.
ملاحظة: الكثير من الباحثين والخبراء في مجال كمال الأجسام ركزوا على فكرة تناول 0.4 غ بروتين لكل كغ من وزن الجسم في كل وجبة، مقسمة على أربع وجبات، وهذه باختصار هي إحدى الطرق لتحصيل 1.6 غ بروتين لكل كغ من وزن جسمك ليس إلا. (مع العلم أن 1.6 غ/كغ هو الحد الأدنى من البروتين الموصى به للبناء العضلي للاعبي كمال الأجسام).