الصورة السلبية للجسد والعادات الغذائية

تتداخل الكثير من العوامل في تحديد العادات الغذائية للأشخاص، منها الداخلية، والخارجية، واليوم سنتحدث عن عامل مهم ألا وهو تأثير صورة الجسد، وكيف ممكن أن تؤثر على العادات الغذائية، وهل هي حالة خطيرة يجب الحذر منها والانتباه لها؟ 

-ما هي صورة الجسد؟ 

صورة الجسد: تشير إلى الصور الذاتية التي يملكها الناس عن أجسامهم، والتي تعكس أفكار الفرد، وتصوراته، ومواقفه حول مظهره الجسدي، وكيف يرى ويشعر حيال جسمه، ومدى جاذبيته من ناحية الوزن، والطول، والشكل العام عند النظر إلى المرآة، ولا تنبع صورة الجسد فقط مما يراه من المرآة، بل تساهم المواقف العاطفية، ومجموعة من المعتقدات، والخبرات، والتعميمات على تلك الرؤية.  

تتدرج نظرة الجسد من النظرة الإيجابية والرضا عنه، إلى النظرة السلبية وعدم الرضا عنه، وتُعرف النظرة الإيجابية للجسد بالتصور الواضح والصحيح للشكل، ورؤية أجزاء الجسم المختلفة كما هي بالفعل، وتبعث النظرة الإيجابية الشعور بالراحة، والثقة بالجسد، وتقبل الجسد الطبيعي، وحجمه، وإدراك أن المظهر الجسدي لا يقول سوى القليل عن شخصية وقيمة الفرد. 

بينما يُقصد بالصورة السلبية للجسد التصوّر المشوه لشكل الجسد، حيث يرون أن أجسامهم معيبة مقارنةً بالآخرين، وتبعث الشعور بالقلق، والخجل، والخزي، والإحراج، وقلة الثقة بالنفس، ومن المرجح أن يتطور الأمر عند البعض إلى الإصابة بالاكتئاب، والعزلة، وتدني احترام الذات، واضطرابات الأكل، وشعورهم بعدم الرضا عن الجسد يقودهم إلى الانخراط في سلوكيات، مثل: اتباع أنظمة غذائية قاسية، أو التدقيق الزائد على الطعام، والوزن، أو الاستخدام غير المناسب للهرمونات المصنعة لبناء العضلات، وفي بعض الأحيان قد يلجأ البعض إلى العمليات الجراحية غير الضرورية.  

-من أين تنشأ النظرة السلبية للجسد، ومتى تحدث، ومن هم المعرضون لها؟ 

كما كل المشكلات الأخرى تنشأ النظرة السلبية للجسد نتيجة تفاعل عدة عوامل مع بعضها البعض، مثل: الثقافة، العائلة، الأصدقاء، انعدام الأمن العاطفي، ووسائل الإعلام، فتقدم صورة مثالية معينة للجسد، وأي جسد مختلف عن هذه الصورة فهو مشوهه ويجب أن يتغير ليطابق الصورة. 

غالبًا تبدأ المخاوف بشأن صورة الجسد في سن مبكرة من العمر، حيث تبدأ الفتيات في التعبير عن مخاوفهن بشأن الوزن، والشكل في عمر السادسة، وتشعر 40-60% من فتيات المدارس الابتدائية(6-12 عام) بالقلق بشأن الوزن كما أن أكثر من نصف الفتيات، وثلث الفتيان في مرحلة المراهقة يستخدمون سلوكيات غير صحيحة للتحكم بالوزن، مثل: تخطي وجبات الطعام، الصيام لفترات طويلة، التدخين، القيء عمدًا، تناول المسهلات، ومن المهم ملاحظة أن هذه المخاوف بشأن صورة الجسد قد تظهر في سن أصغر، أو قد لا تظهر على الإطلاق، لذّلك ليس هنالك عمر محدد، وقد يختلف عمر ظهور هذه المخاوف من شخص لآخر. 

يمكن أن تؤثر النظرة السلبية على الجميع، في أي عمر، أو جنس، أو ثقافة، إلا أنه يعتقد أن الفتيات أكثر عرضة للإصابة نظرًا للقوالب المجتمعية التي تطالب الفتاة بشكل جسد معين، والضغط عليها للحصول عليه، ولكنها بالواقع تؤثر على الفتيان بدرجة مماثلة، وقد لوحظ حاليًا الضغط الواقع على الأولاد للحصول على بنية نحيفة ذات عضلات أكثر، مما يؤكد أن الأمر ليس مقتصرًا على الفتيات. 

-ماذا تقول الدراسات؟  

تم إجراء العديد من الدراسات التي تدرس تأثير صورة الجسد السلبية على العادات الغذائية سنذكر اثنتين منها:  

-الدراسة الأولى:  

تمت هذه الدراسة في ليتوانيا عام 2019، لدراسة تأثير المخاوف بشأن صورة الجسد، والمبالغة في تقدير وزن الجسم على تعزيز السلوك الصحي لدى المراهقين، بلغ عدد المشتركين (597 مشارك) من كلا الجنسين، تتراوح أعمارهم بين (14-16عام)، تم تقسيم المشتركين حسب مؤشر كتلة الجسم، وقدّم المشاركون إجاباتهم في الاستبيانات المكونة من مجموعة من الأسئلة المتعلقة بتقدير الذات، كما تم قياس نتائج ثانوية، مثل: الأكل المضطرب، العادات الغذائية، احترام الذات، والنشاط البدني.  

النتائج: أفاد المشاركون الذين لديهم مؤشر كتلة الجسم أعلى، وأولئك الذين يبالغون في تقدير الوزن بارتفاع مستويات عدم الرضا عن الجسد، والدافع للنحافة، والقلق الاجتماعي، والأكل المضطرب، وانخفاض احترام الذات، ولكن لم يكن هناك اختلاف في النشاط البدني. كما كانت المبالغة في تقدير الوزن أكثر انتشارا عند الفتيات من الفتيان، وارتبطت بتقليل تناول الحلويات، وتجنب وجبة الإفطار، وتقليل عدد الوجبات خلال اليوم، مما يبين أن مخاوف صورة الجسم والمبالغة في تقدير الوزن لم تعزز السلوك الصحي لدى المراهقين.

-الدراسة الثانية: 

تمت إجراء دراسة المسح المقطعي (A cross-sectional survey) في إسبانيا عام 2013، لدراسة العلاقة بين الإدراك الذاتي للجسم، وأنماط الأكل عند المراهقين، بلغ عدد المشتركين (1231 مشارك) من كلا الجنسين، تتراوح أعمارهم بين (12-17 عام)، تم تقسيم المشاركين حسب الجنس ومؤشر كتلة الجسم، وتم دراسة القياسات الجسدية (الوزن، والطول، وغيرها)، وصورة الجسم، والمحددات الاجتماعية، والاقتصادية، واستهلاك الغذاء.  

النتائج: كان العديد من الفتيان الذين يعانون من السمنة راضيين عن صورة أجسادهم، بينما أبلغت جميع الفتيات اللواتي يعانين من السمنة تقريبًا عن رغبتهن في الحصول على جسم أنحف، وارتبطت أنماط الوجبات، وعددها، واستهلاك الطعام بعدم الرضا عن الجسم، وحالة الإفراط في تناول الدهون بين المراهقين، حيث أظهرت النتائج أن 51% من الذكور و %60 من الإناث أبدوا رغبتهم في أن يكونوا أنحف، قاموا بتناول أقل من أو يساوي 3مرات في اليوم، كما قامت الفتيات اللّاتي يعانين من السمنة بتخطي وجبة الإفطار أكثر من الفتيات ذوات الوزن الطبيعي، وكما أفاد كل من الفتيان والفتيات الذين يرغبون بالنحافة عن استهلاك أقل للعديد من المجموعات الغذائية، وارتبطت الحمية، وتقييد الأطعمة بالرغبة في النحافة.

إذن تظهر الدراسات أن تأثير صورة الجسم السلبية خطير، وسلبي على العادات الغذائية وقد يصل بالفرد إلى اضطرابات الأكل، فهل يمكن التحسين من صورة الجسد، وتغييرها من سلبية إلى إيجابية؟ 

نعم يمكن اللجوء إلى مختص للمساعدة في تحسين صورة الجسد عن طريق استخدامه عدة أساليب، مثل:  

1-العلاج السلوكي المعرفي. 

2- تدريب اللياقة البدنية. 

3- الثقافة الإعلامية.   

4- تعزيز احترام الذات. 

5- التهذيب النفسي. 

كما يوجد بعض الخطوات التي يمكن أن تبدأها مع نفسك، مثل:  

1-تقدير كل ما يمكن أن يفعله الجسم، كل يوم يجعلك جسمك تقوم بشيء تحبه وتريده، احتفل بكل الأشياء البسيطة التي تفعلها، مثل: المشي، الجري، الضحك، التنفس، الحلم وغيرها العديد من الاشياء. 

2- ذكر نفسك أن الجمال الحقيقي لا يقتصر على الوزن والشكل فقط، واحتفظ بقائمة تضم 10 أشياء تحبها في نفسك، أشياء لا تتعلق في وزنك وشكلك، اقرأ القائمة دائمًا سيزداد الشعور بالثقة بالنفس وتقبل الذات، قد لا تدرك في البداية الأشياء التي تحبها في نفسك لا بأس أبدأ بالقائمة وضف عليها. 

3-احط نفسك بأُناس إيجابيين، فمن السهل الرضا عن النفس عندما تكون محاط بأشخاص داعمين، ومدركين أهمية الإعجاب بالذات كما هي بشكل طبيعي. 

4- انظر لنفسك كشخص كامل، ولا تركز على أجزاء معينة، وتجنب مقارنة نفسك مع الآخرين، ولا تستمع إلى الأصوات الداخلية التي تخبرك أن جسدك ليس صحيح، أو أنك شخص سيء، وتغلب عليها بأفكار إيجابية. 

5-ارتداء الملابس المريحة التي تناسبك وتشعرك بالرضا عن نفسك. 

6-اعترض على الرسائل والمواقف الاجتماعية والإعلامية التي تجعلك تشعر بالضيق حيال جسدك، اكتب خطابًا إلى المعلنين، أو رد مباشرة على الصورة أو التعليق. 

7-افعل شيئًا لطيفًا لجسدك، خذ حمام ساخن، خصص وقت للراحة، أو ابحث عن مكان هادئ في الخارج، ممارسة هوايتك المفضلة، واستغل الوقت والطاقة التي تقضيها في القلق بشأن الوزن، والشكل، والطعام لفعل شيء لمساعدة الآخرين. 

في النهاية، هذه القائمة لن تخبرك تلقائيًا عن كيفية تغير أفكارك السلبية إلى إيجابية، ولكن عند تكرارها يمكن أن تقدم لك طرقًا أكثر صحة للنظر إلى نفسك وجسمك، وتذكر أنت أكبر من أن يمثلك وزنك، أو شكلك الخارجي، أنت مجموعة من الأشياء الجميلة المجتمعة سويًا لتظهر لهذا العالم، وتقوم بما تريده، وتعيش الحياة بالطريقة التي تريد فلا تقتصرها على الوزن فقط.

Leave a Comment